«The Creator» ملحمة مبهرة تفتقر تفوُّق الأداء البشري

تندلع شرارة التهديد لوجودنا البشري في فلم «الخالق» (The Creator) حين تبدأ أقليَّة «الذكاء الاصطناعي» ترى نفسها مع الوقت كفصيلة «بيولوجية».

لقطة من فلم «The Creator» تُظهر الطفلة ألفي / 20th Century Studios
لقطة من فلم «The Creator» تُظهر الطفلة ألفي / 20th Century Studios

«The Creator» ملحمة مبهرة تفتقر تفوُّق الأداء البشري

علي حمدون

ماذا بيد أي فصيلة أن تفعل حين تُهدَّد الحظوة «البيولوجية» التي كَفَلتْ لها الأرض والأمان وسعة الرزق، أمام إقصاء قسري مُتَعمَّد من أقليَّة متفوقة تدفعها نحو مسيرة الانقراض؟

تندلع شرارة هذا التهديد لوجودنا البشري في فلم «الخالق» (The Creator) حين تبدأ أقليَّة «الذكاء الاصطناعي» ترى نفسها مع الوقت كفصيلة «بيولوجية» أكثر من كونها آلات من صنع البشر. ليرينا الفلم صورة مصغرة عمّا كنا نفعله نحن البشر عبر التاريخ تجاه الأعراق المغايرة، أو الأقلية المخرِّبة على الأكثرية، حين كنا ندفعها نحو جرف الانقراض بحجة التفوُّق عليها. 

منذ المشاهد الأولى نعيش استمرارية الاستدعاء التاريخي للذاكرة البشرية الملأى بالندوب والمدعوكة بدايةً بمواجع صور كارثتي هيروشيما وناغازاكي، ولاحقًا بمشاهد قصف فيتنام المكثف بقذائف النابالم. كأننا نسير على «شريط موبيوس»، مجازًا للتعبير عن التكرار، في عودتنا لبداية كل وحشية أمريكية. 

تتمحور القصة حول عميل القوات الخاصة الأمريكية «جوشوا» -يؤدي دوره الممثل جون ديفيد واشنطن- المندس في آسيا الجديدة، معقل الذكاء الاصطناعي، منغمسًا في دوره كرجل محب لامرأة متمردة تسمى «مايا» مستخدمًا إياها كوسيلة تقربه من «نيرماتا» المطلوب الأول على قائمة الإجرام والمبتكر لهذا الذكاء.

في محاولة للقبض على «نيرماتا» أو القضاء عليه تبوء العملية بالفشل وتصاب زوجته «مايا» التي كانت تحمل في بطنها طفله بالنيران الصديقة الخارجة من السلاح المضاد للذكاء الاصطناعي «نوماد». و«نوماد» سلاح ابتدعته الولايات المتحدة بغرض إبادة الآلات والمحاكين، أشبه بسفينة فضائية ضخمة تجوب السماء بغرض طمس كل مهدد غير بشري. 

يغيب «جوشوا» عن الساحة بعد خسارته حبيبته وطفلهما في هذا الحادث العرضي، ليعود بعد عدة سنوات ليستكمل مسعاه في خدمة وطنه بعدما أقنعوه بنجاة زوجته، وبأن هناك سلاحًا يهدد البشرية يسمى «ألفا أو» وهو العنصر الأكثر تطورًا، حيث سيتحكم بكل التقنيات التي يمتلكونها، ومنها تقنية «نوماد».

يكتشف «جوشوا» لاحقًا أنَّ السلاح المراد تدميره عبارة عن طفلة صغيرة بقدرات فائقة، أقرب محاكاة بشرية للذكاء الاصطناعي، وقابلة للتطوُّر والنضج. هنا يبدأ البطل في مواجهة وهمه «الدونكيشوتي» بعدما انشق عن حكومته مختارًا الحب وحماية الطفلة -التي أسماها «ألفي»- ومنع تدميرها على الولاء لبلده، في عملية معكوسة يصبح فيها هو الإنسان الذي يعيد اكتشاف إنسانيته التي كان يظن أن الذكاء الاصطناعي سلبها منه. 

وفي إحدى نواحي آسيا، يخوض «جوشوا» في تأملات الآلات الوجودية وسط عالمها «الديستوبي»، ساعيًا باستماتة لتصحيح هذا الفائض من المظلوميات الناتجة عن المنظومة البشريَّة التي ينتمي إليها.

ولعلَّ الفلم في هذه التأملات يستند إلى تساؤلاتنا المتراكمة مثل: ماذا لو؟ أو كيف لنا أن نتبين؟!

فالآلات «تظهر» وهي تصارع دواخلها ومخاوفها خائضة تأملاتها الأنطولوجية لِتُفنّد أو تُثبّت وجودها وسط هذا العالم الذي يضج بالمشاعر والعاطفة والألم، بينما يتوجس البشر حيال ردات فعل هذا الذكاء الاصطناعي. 

ففي البداية، وبعد كل تعاطف يسبق القضاء على آلة، يردد «جوشوا» جملة «هذه مجرد برمجة» محذرًا نفسه والآخرين في كل وقت من الانزلاق خلف العواطف التي تحضر مع كل عملية «انطفاء قسرية» مسبوقة باستجداء آلي يشبه استجداء من يمتلك وعي المجهول لما بعد الممات ومن يخشى على روحه من الفناء والعدم. وكأن هناك غرائز بشرية ونزعات سلوكية استُنسخت، كالرغبة في النجاة والخوف الفطري الخاضع للمؤثرات الترهيبية المهددة للحياة. 

وقد:

نجح مخرج فلم «The Creator» قاريث إدواردز في زرع الرسائل الملغزة والمسائل المرهقة للأنفس وسط الحماسة الحركية، بصريًا وسمعيًا وفكريًا. ما عدا أنَّ مدماك التوافق بين بطله وبين فكرته الملحمية «الأدرينالية» كان مائلًا. Click To Tweet

إذ لمسنا شيئًا من التنافر المدرك.

فالحوارات برأيي لم تجد نسقها العميق، وكأنَّ الممثل جون ديفيد واشنطن -لا سيما في الشق الأول من الفلم- كان يتعمَّد إفساد كل مشهد من شأنه أن يحلق بنا نحو بعد عاطفي. فقد تلمستُ عملية التلقين في كثير من المشاهد، وكأن بعض الحوارات كانت حملًا ثقيلًا من الأجدر التخلص منه، فلَم يكن الأداء تقمُّصًا بقدر ما كان تمثيلًا باردًا لا يتناسب مع الشاعرية. وقد أتفهم هذا الجمود «الروبوتي» في البشري كعملية تبادلية تتلخص بها فكرة ترقيق القلب من بعد قسوة، كمشاعر غسقية تدرك بشكل متدرج. 

الحالة ذاتها عشتها مع الموسيقي هانز زيمر الذي كانت معزوفته «لا وقت للحذر» (No Time for Caution) في فلم «Interstellar» تشعرك بأدرينالية ارتجال «كوبر» وهو يحوِّل المستحيل إلى ضرورة. أما في هذا الفلم لم يكن وجوده الموسيقيّ بكماله الملحمي المعهود نفسه. 

ولعلَّ اعتراضي حيال الممثل جون ديفيد واشنطن سببه استحضاري لفلم شبيه ناقش فكرة ابتداع طفل آلي كاستثناء وكفعل غير مسبوق، ليتفاجأ الناس من جرأة العبث بالبراءة البشرية من خلال «الطفل».

فلم «A.I Artificial Intelligence» الصادر عام 2001 للمخرج ستيفن سبيلبيرق ناقش عاطفة طفل آلي يدعى «ديفيد» استقدموه ليحل بديلًا عن ابن العائلة المصاب بالغيبوبة. ليكتسب لاحقًا، بعد استبعاده بسبب مكائد تزامنت مع عودة الابن من الغيبوبة، أمنية «بينوكيو» في التحوّل إلى كائن بشري، في محاولة منه للإبقاء عليه، لكي يتسنى للبشريين تصديق الكم الهائل من العاطفة المختزنة بداخله تجاه أمه البشرية، لتُعلَّق أمنيته هذه لألف عام!

فالعلاقة تنشأ بين «ديفيد» و«جو» الذي أدى دوره «جود لو» في رحلة البحث عن الساحرة التي ستحقق أمنيته ليتحول إلى كائن بشري كالرحلات التي تحدث غالبًا بين الكبير بنزعته الأبوية والصغير البريء من وحشية العالم. وكانت رحلة «جو» و«ديفيد» أكثر عاطفية لي من رحلة «جوشوا» و«ألفي». وعلى رغم أن «جو» كان رجلًا آليًا صرفًا فإنه أوصل الرسالة المؤثرة دون تكلّف.

لكن يبقى فلم «The Creator» من ضمن أجمل أفلام هذا العام، وتجربته في السينما تعرِّض الحواس لعدة مناشط ممتعة، أحدها اتساع حدقة العين بسبب الإبداع الذي سنتلمس منه سلسلة أفلام «حرب النجوم» التي أحب. وأنه من الأعمال القلائل التي لا تترك لك مساحة للهو بالهاتف أو السرحان!

لذلك أعطيه 7.5 / 10 🍿😳

استدراك أخير: على ذكر الذكاء الاصطناعي الذي يؤرقنا جميعنا، أرى أن الخشية الحالية ليست من الإبادة المستبعدة، ولكن الخشية من الإحلال المعتمد على القدرات الذاتية والمهارة الفردية.

لهذا أضع هذا الاقتباس الساخر من فلم «I Robot» من بطولة ويل سميث حين سأل المحقق «ديل» الرجل الآلي «سوني»: 

البشر لديهم أحلام، حتى الكلاب لديها أحلام، لكن ليس أنت، أنت مجرد آلة، تقليد للحياة. هل يستطيع الروبوت كتابة سيمفونية؟ هل يستطيع تحويل لوحة قماشية إلى تحفة فنية جميلة؟

ليرد الروبوت سوني:

هل تستطيع أنت؟

وهذه الاجابة برأيي كفيلة بأن نرى القادم المرهِق، حين لا يبدو الذكاء الاصطناعي أقلية متفوقة.. بل يشبه الأكثرية من البشر.


اقتباس النشرة

فلم «Harry Potter and the Deathly Hollows 2»
فلم «Harry Potter and the Deathly Hollows 2»

أخبار سينمائية

  • شهد فلم «Maestro» من إخراج وبطولة برادلي كوبر عرضه الأول في أمريكا ضمن فعاليات مهرجان نيويورك السينمائي. قضى برادلي كوبر خمسة أعوام مستغرقًا في الموسيقا الكلاسيكية ومعايشة تجربة المايسترو من خلال حضور الحفلات الأوركسترالية والبروفات في محاولة منه لتقمُّص روح شخصية الفلم الرئيسة «ليونارد بيرنستاين» أشهر قائد أوركسترالي أمريكي في القرن العشرين. إلا أنَّ محاولته تقمُّص «وجه» بيرنستاين من خلال أنف صناعي «ضخم» لمحاكاة ملامح الشخصية اليهوديَّة لم تشفع له أمام موجة الانتقاد الحادَّة وإثارة موضوع «تمثيل الأبيض» للأعراق والأقليات بدل الاستعانة بممثل ينتمي إلى أقلية الشخصية.

  • يحتل الفلم الهندي «Jaane Jaan» المركز الأول في قائمة أكثر أفلام نتفلكس غير الناطقة بالإنقليزية مشاهدةً لهذا الأسبوع. الفلم مقتبس من الرواية اليابانية «إخلاص المشتبه به إكس» (The Devotion of Suspect X) للروائي الياباني كيقو هيقاشينو، وسبق أن اقتبست الرواية لأفلام في اليابان والصين وكوريا الجنوبية. الفلم من بطولة النجمة البوليوودية كارينا كابور خان، ونال ثناء النقاد والجمهور لقدرته على اقتباس رواية يابانية بنجاح وتطعيمها بالخصوصية الهندية المحليَّة، بدءًا بعنوان الفلم العائد إلى أغنية هندية شهيرة من فلم «Intaqam» عام 1969.


توصيات سينمائية

أبرز أفلام ويس أندرسون

سواء أكنت من معجبي ويس أندرسون أم تمقته وتعده من المخرجين «المبالغ في تقديرهم» فلا يمكن أن تنكر البصمة البصريَّة الفريدة لأعماله وأسلوبه الإخراجيّ. هذه البصمة من الفرادة بمكان أنْ استنسختها مصورة فوتوغرافية لتوثيق رحلتها على القطار في أبريل الماضي من خلال مقطع في تك توك نال 12 مليون مشاهدة، ليتبعها الملايين حول العالم ممن حوَّلوا يومهم الاعتيادي إلى مقطع تك توك تحت عنوان «لو كانت حياتك فلمًا لويس أندرسون».

ليس صدفة أنَّ من أطلق هذه الموجة الرائجة مصورة فوتوغرافية، فالمخرج ويس أندرسون مولع بالتصوير الفوتوغرافي وتأثيره جليّ في أعماله. هو أيضًا مولع بالوثائقيات مما يفسِّر الأداة السرديَّة التوثيقية لـ«الشخصيات» خلال استكشاف سلوكها الإنساني.

في فلمه الأخير «The Wonderful Story of Henry Sugar» على نتفلكس يبلغ ويس أندرسون في أسلوبه ذروة بصريَّة جديدة، قد يصعب تحويلها إلى «ترند» في تك توك لكنها بالتأكيد جسَّدت حلم كل قارئ يتصوَّر أحداث القصة التي يقرؤها.

فإذا لم تكتفِ من عوالم ويس أندرسون بمشاهدتك سلسلة أفلامه القصيرة على نتفلكس، فها نحن نشاركك توصيات من عوالم أفلامه الطويلة.

The Darjeeling Limited (2007)

كيف للقطار أن يتيه عن سكَّته؟ يأخذك الفلم في رحلة عاطفية كوميدية «روحانيَّة» برفقة ثلاثة إخوة: فرانسيس وبيتر وجاك. يلتقون على متن قطار في الهند بعد عام من وفاة أبيهم المفاجئة وافتراقهم. الثلاثة يعانون الاكتئاب في صور مختلفة، حاملين معهم على متن القطار حقائب محمَّلة بأغراض تعود لأبيهم. إن كنت تعاني من الحزن أو الفقد ستجد في الفلم الإلهام للمضي قدمًا. الفلم بطولة أوين ويلسون وأدريان برودي وجيسون شوارتزمن، ومتوافر في «ديزني بلس» و«أبل تي في» و«قوقل بلاي».

Moonrise Kingdom (2012)

أي نوع من الطيور أنتِ؟ تعيش في هذا الفلم قصة الحب العذري من النظرة الأولى بين فتى يتيم في الثانية عشرة عرضة للتنمر الدائم في معسكر الكشافة وفتاة تهوى القراءة من عائلة ميسورة لا تشعر بالانتماء إلى عائلتها. يخطط الاثنان على مدى عام الهرب إلى جزيرة منعزلة. ولما ينفذا الخطة تنطلق البلدة وفريق الكشافة في رحلة بحث عنهما. إن كنت تهوى أجواء الستينيات وعشت طفولة صارمة تخيّلت فيها انطلاقك في مغامرة ففي هذا الفلم ضالتك. الفلم من بطولة بروس ويليس وإدوارد نورتون وجاريد قلمان، ومتوافر في «قوقل بلاي».

The Grand Budapest Hotel (2014)

لماذا تريد أن تكون مساعد البوَّاب؟ يلتحق صبي بفندق كمساعد بوّاب رغبةً منه في الانتماء إلى فندق «بودابست» الأوربي الذي يعيش أزهى أوقاته تحت رعاية بوابه الأسطوريّ «إم قوستاف». بعد وفاة إحدى الساكنات في الفندق من عليّة القوم وتوريثها لوحة نادرة للبوّاب تنطلق مطاردة للقبض عليه بتهمة قتلها، ويلتحق مساعده به بصفته الوظيفية وأيضًا بصفته صديقًا. إن كنت تبحث عن فلم من فئة أفلام الحرب العالمية لكن مع جرعة أقل مأساويَّة وجرعة أعلى من اللون البنفسجي فهذا الفلم سيحقق لك أمنيتك. الفلم من بطولة رالف فينيس وتوني ريفولوري وسيرشا رونان، ومتوافر في «ديزني بلس» و«أبل تي في» و«قوقل بلاي».


يعرض الآن

في صالات السينما فلم الرعب «Saw X» بطولة توبين بيل وشوني سميث. يشهد الفلم عودة «جون». إذ تقع الأحداث بين جزئي السلسلة الأول والثاني حين يسافر جون إلى المكسيك للخضوع لإجراء طبي تجريبي على أمل شفائه من السرطان، فيكتشف أنَّه ضحية احتيال ويقرر العودة إلى «لعبة الانتقام» وقلب الطاولة على المحتالين.

VOX / IMDB

في صالات السينما فلم الإثارة «Desperation Road» بطولة ميل قيبسون وويلا فيتزجيرالد. في بلدة في ميسيسيبي يتقاطع مصير امرأة وابنتها مع مصير مجرم خرج للتو من السجن بعد قضاء محكوميته، فيكتشف أن هناك من ينتظر عودته للانتقام منه، وسيتعين عليه الاختيار بين أن يُنقذ حياته أو حياة المرأة وابنتها.

VOX / IMDB

في صالات السينما فلم الإثارة «حسن المصري» بطولة أحمد حاتم وديماند بوعبود. يعاني حسن من مشاعر الفقد والذنب بعد موت والدته وأخته، ويعمل سائقًا خاصًا وحارسًا شخصيًا لفتاة مراهقة. يدفعه التزامه بعمله وشعوره بالذنب إلى حماية الفتاة وإنقاذها مهما كان الثمن.

VOX / IMDB

في نتفلكس الموسم الثالث من مسلسل الإثارة الفرنسي «Lupin» بطولة عمر ساي. يعود اللص الأشهر في فرنسا «أسان ديوب» إلى باريس غير آبه لحملة المطاردة الشرسة خلفه لينفذ أخطر عمليات السطو وأشدها جنونًا.

NETFLIX / IMDB

الذكاء الاصطناعيالمستقبلمراجعات الأفلامالسينما
النشرة السينمائيةالنشرة السينمائيةمقالات ومراجعات سينمائية أبسط من فلسفة النقّاد وأعمق من سوالف اليوتيوبرز. وتوصيات موزونة لا تخضع لتحيّز الخوارزميات، مع جديد المنصات والسينما، وأخبار الصناعة محلّيًا وعالميًا.. في نشرة تبدأ بها عطلتك كل خميس.